Rechercher dans ce blog

vendredi 29 octobre 2010

كيف أهاجر إلى فرنسا؟


في فرنسا أكثر من فرنسا، وفي الفرنسي أكثر من فرنسي، هذا ملخص ما كان يؤكده المؤرخ الكبير فرناند بروديل، كانت هذه صرخته في وجه من يقول إنه ليس هناك إلا فرنسا واحدة وفرنسي واحد. وأن كلاً منهما ملك للآخر. ولا حق لأحد في منازعتهما هذه الملكية المتبادلة. وقبل هذا المؤرخ كان أديب فرنسا وشاعرها الكبير فيكتور هيغو يقول: «لنتوقف منذ الآن عن كوننا بريطانيين أو فرنسيين أو ألماناً، علينا أن نكون أوروبيين. ولنتوقف أيضاً عن كوننا أوروبيين، ولنكن منذ الآن بشراً فقط. لنكن الإنسانية. علينا أن نذك آخر معاقل الأنانية «الوطن».

ولكن من يستطيع أن يوصل هذه الكلمات إلى وزير الداخلية الفرنسي السيد نيكولا ساركوزي الذي يتحدر من أصول هنغارية. حيث هاجر أبواه في القرن الماضي، واستطاع هو وأخوه في فرنسا المتعددة أن يصبحا شخصيتين من أبرز الشخصيات الفاعلة في المجتمع الفرنسي سياسياً واقتصادياً.

وقد تميز هذا الوزير عن غيره من رجال السياسة في فرنسا بقدرته الخارقة على النهوض بعد كل هزيمة، والعودة إلى الأضواء بعد الانطفاء والانكفاء. كانت غيباته قصيرة جداً ولم يعرف ما يسمونه هنا بذلك الغياب الطويل «عبور الصحراء» استطاع بذكاء ودهاء أن يتصدى لأعتى الزعماء ولكل المحاولات المبرمجة والجماعية لتدميره واقصائه. ولم يكن يتردد في الانقلاب على قيادييه ومعلميه ليعود ويحتل مواقعهم وكأن شيئاً لم يكن.

حدث هذا في فرنسا المتعددة والملونة التي استقبلته هو وأهله دون شروط ومنحته ما تمنحه لأي من أبنائها «المحظوظين» إلى أن أوصلته إلى سدة القرار، إلى الحديث باسم فرنسا، إلى أن يكون فرنسا الجديدة التي تتنكر لكل قيم الهجرة والإنسانية وبلا حقوق الإنسان، لقد فرض ما أصبح يعرف بالهجرة المنتقاة، هجرة النخب، أو ما نسميه في العالم الثالث «العقول».

لم يعد في امكان أي شخص أن يهاجر إلى فرنسا، لقد أصبحت الهجرة مشروطة بأن تكون إنساناً نادراً في العالم الثالث. حيث لا يمكن أن يكون الإنسان نادراً إلا بعد أن تنفق عليه بلاده وأهله مبالغ طائلة لكي يكون متميزاً. ثم تأتي فرنسا ساركوزي لتقطف هذا التميز كما كانت تفعل في أحرج عصورها الاستعمارية.

سيكون في امكان فرنسا إذا ما أقر قانون الهجرة الجديد أن تتحول «لصاً شريفاً» لسرقة عقول العالم الثالث التي انفق عليها ما لا تستطيع أحصاءه كل الآلات الفرنسية.

سيسرقون الأطباء والمهندسين والخبراء، وسيختارون من بينهم الأوائل والأكثر تميزاً، وستهاجر هذه النخب إلى حيث الحرية، إلى حيث احترام الكائن. إلى حيث تصبح متميزة بالفعل، وليبق العالم الثالث في ظلماته المتراكمة.

إن هذه الهجرة واحدة من أبشع الجرائم في التاريخ الحديث إنها تعني فيما لو طبقت على صعيد أوروبي وأمريكي، القضاء المبرمج على أي مستقبل للعالم الثالث حيث لن يبقى من مواطنيه إلا تلك الفئات المستهلكة، أما ما تبقى فسيذهب إلى حيث تصنع هذه المؤامرة. والمساهمة في صناعتها وربما في البحث مستقبلاً في بلادهم الأصلية عن أي قدرة إبداعية لضمها إلى الطرف الشمالي من الكرة الأرضية. وكأن هذا الجنوب سيتحول بفعل هذه المؤامرة إلى ما يشبه المقبرة، يولدون لكي يموتوا فقط. ولا شيء بين الولادة والموت.

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire